ربما كان في حياة المحبين رجاء أو دفقة من ضياء
ربما كان عندهم ذلك الإكسير بين الخيال والأهواء
شاطىء الحبّ أيها اللامع الخادع هات الحديث عن أبنائك
صف مناهم وبشرهم وأساهم صف لنا ما اختفى وراء صفائك
صف لنا كيف يعصر العاشق الشوق إلى من ينام عن بلواه
كيف يلهو به الخيال فيمضي الليل سهران غارقا في مناه
صف حياة الذي استبدّ به الحب فخال الحياة جّنة سحر
ومضى فاتحا ذراعيه للنور يصوغ الحياة ديوان شعر
يلثم الزهر في الحقول ويشدو لليالي الحصاد لحن هواه
راقصا كالفراش للقمر الحل و خليا من يأسه وأساه
راسما للغد الجميل من الأحلام ما لا تطيقه الأقدار
سادرا في أوهامه غير دار أن هذي الحياة هول ونار
في يديه كأس الرحيق يغنيه على مسمع النهار ويشرب
وعلى ثغره ابتسامة مخدوع يغّني له الشقاء فيطرب
ثم يخبو الضياء ذات مساء ويفيق النشوان بالأوهام
فإذا الحقل ذابل لا زهور لا فراش لا شيء غير الظلام
أين تلك الأحلام؟ كيف ذوى الحب؟ وأين الوجه الحبيب النضير
يا لغدر الأيام لم تحفظ العهد لقلب جنى عليه الشعور
وتمرّ الحياة والعاشق المهجور قلب دام ووجه شاحب
أبدا يرجع الخيال إلى الماضي ويبكي على الغرام الذاهب
أبدا يرمق الحياة كئيبا من وراء الدموع والأحزان
ويراها الذئب الذي ينهش القلب ويقسو على الأسى الإنساني
أبدا يسأل الظلام حزينا شارد الفكر أين ألحان قلبي
أين زهري وأين بلبلي المنشود؟ ماذا أضاع أحلام حبّي؟
أين تلك التي سكبت عليها من حياتي ومن فؤادي ولحني
أين تلك العيون تلهم أحلامي وتمحو غشاوة الحزن عنّي؟
يا لقلب المسكين تلذعه الذكرى وتحي غرامه وأساه
هكذا قد قضى عليه كيوبيد فماذا تفيده شكواه؟
فليجد في الخيال والشعر والذكرى دواء لحبّه المصدوم
وليقضّ الحياة بين حقول القمح والقطن تحت ضوء النجوم
وليحبّ الغيوم والفجر والنهر ويمضي الأيّام بين التلال
يتغّنى فيعشق الزهر موسيقاه عند الهوى وفوق الجبال
فحياة الخيال أجمل من واقع حب ملفّع بالرماد
وهنا يا مصدوم حرّية الروح فماذا يغريك بالأصفاد
سل كيوبيد عن شقاوة صرعاه وماذا يلقون من تعذيب
كيف يحيون في جحيم من الشكّ وليل من الضنى والشحوب
إن قضت بالحرمان أيّامهم عاشوا حزانى معذبين حيارى
يشتكون الأقدار والزمن العاتي ويحيون أشقياء أسارى
وإذا ما تحقق الحلم العذب أشاحوا عن سحره كارهينا
ويعود الضياء ليلا دجّيا وتعود الأزهار شوكا وطينا
هكذا يخمد الغرام وتخبو شعلة الحب والمنى والحنين
فالسعيد السعيد من دفن الحبّ وعاش الحياة غير سجين
يا دموع العشّاق قد شبع العالم بؤسا فلا تزيدي أساه
قد ملأنا الكون الجميل دموعا وشبعنا من صمته ودجاه
فانضبي أنت حسبنا شجن العيش وبلوى الحياة والأيام
حسب هذي الأرض الكئيبة دمع البائسين الجياع والأيتام
انضبي واطردي خيال كيويبد وحسب الغرام هذي الضحايا
لن ينال العشّاق يوما سوى أدمع حبّ حفّت سناه المنايا