نطلب التغيير ،،، ونرفض التدمير
بسم الله الرحمن الرحيم
كان عنوان هذا الموضوع :
(وأنا أيضا أطالب بالتغيير للتحرير ، وليس لمجرد التغيير المؤدي للتدمير) ولما رأيت العنوان طويلا ، اختصرته في أربع كلمات :
(نطلب التغيير ،،، ونرفض التدمير)
وأنا عندما كتبت العنوان الأول قصدت بالتحرير : التحرير من عبودية الفقر والجهل والمرض ، لا عبودية الرقاب .. والتحرير من من احتلال الجهل والتخلف والفوضى وليس من احتلال الاستعمار . وأطالب أيضا بالجلاء.. الجلاء الكامل للتخلف عن عقولنا والرحيل الشامل لكل من آذى البشر .. وأذل شعبنا وأمتنا .. وسلبه خيره لغيره .. هذا هو الذي قصدته بالتحرير والتغيير .. بل التحرر من كل الأسباب المهينة ، والعوامل المشينة ، والضغوط النفسية المقيتة التي كانت سببا في اندلاع شرارة الانتفاضة الشعبية للمصريين في شوارعهم ومدنهم ومحافظاتهم وميادينهم ، مطالبين بتصحيح المسار، وتحقيق المساواة .. وإقامة الجدار الذي يريد أن ينقض أو ينهار .
كان يجب على حكومات مصر المتعاقبة على مدى ثلث قرن من الزمان أن تعيش مأساة شعبها ، ومعاناة أمتها ، وأن تتجنب ما حدث من تحرك أو صياح منذ بداية يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من يناير 2011 م ، ومابعده حتى اليوم الأحد 6/2/20011 م .
إن المسئولية كبيرة وثقيلة وفادحة ، تقع على كاهل جميع الحكومات المتتالية منذ ذلك الحين وحتى الآن ، ويجب محاسبتها وإيقاع العقوبات المناسبة على كل من تسبب في هذه الفوضى بطريق مباشر او غير مباشر . لا يهمنا الأفراد .. ولا يهمنا الوزراء ولا أسماؤهم .. كل ما يهمنا أن المسئولية لا تتجزأ ، بل تشمل كل حكومة بحزمتها ووزرائها ومسؤوليها جميعا ، ككل لا يتجزأ بجميعهم ، فجميعهم مساهمون بطريقة أو بأخرى فيما آلت إليه أوضاع البلاد ، وأحوال العباد ، ومقدرات الشعب المسكين الذي صبر .. وصبر .. وتحمل الجوع والعري والآلام ،، والصدمات ،، والويلات المتتالية منذ نكبة عام 1967 م ، ثم حرب الاستنزاف ، مرورا بحرب العاشر من رمضان / أكتوبر 1973 م ، مر شعبنا بذلك كله وهو يدفع من دمه ،، ومن عرقه ،، ومن قوته ،، ومن راحته ،، ومن أمنه ،، ومن أمانه واطمئنانه على مدى تلك العقود .
ثم جاءت معاهدة السلام (كامب ديفيد) مع الصهاينة الملعونين، وتتطلع الشعب من بعدها إلى أن تتحسن حاله ، وتتحسن الأوضاع ، وإلى أن يشعر بالراحة والسكينة والاطمئنان على أمنه وقوته ولقمة عيشه . إلا أن تطلعات شعبنا وأمتنا قد تهاوت ،، وتلاشت ،، وضاعت في مهب الريح . انهارت تلك التطلعات واحدة تلو الأخرى ، فمن سييء إلى أسوأ ،، ومن فقر إلى مسكنة ،، ومن مفسدة إلى مفاسد أكبر وأكثر :
حَسِبُوا التاريخَ أصَمَّ أعْمَى عَنْهُمُوا *** إذ نَوَّمُوه بخُطبةٍ وطنين ِ
ويَرَاعة ُالتاريخ ِتـَسْخرُ مِنْهُمُوا *** وتقومُ بالتسجيل ِوالتدوين ِ
@ فمعدلات البطالة تزداد وتتفاقم يوما بعد يوم حتى وصلت إلى نسبة 15% في أوساط أصحاب المؤهلات العليا ، وإلى أكثر من ذلك في أوساط حملة المؤهلات الدنيا ، وفي أوساط غير المؤهلات العلمية.
@ ونسبة الفقر في ارتفاع وازدياد حتى انمحت الطبقة الوسطى من المجتمع ، وأصبح المجتمع طبقتين اثنتين لا ثالث لهما :
ــ الطبقة الأولى : وهي طبقة الأغلبية الساحقة من الشعب ، والتي تعيش تحت مستوى خط الفقر بمراحل كبيرة .
ــ والطبقة الثانية : وهي الطبقة المميزة ، الفاحشة الغنى ، وهي التي تمثل ما نسبته 11% من مجموع الشعب ، وهي أيضا التي تملك ثروات البلاد كلها ، ومقدرات الشعب بأكمله في قبضة يدها ، وتلعب بثروته بين أناملها.
@ أصبحنا لا نثق في أي خطة من خطط التعليم في مدارسنا ، فخطط متعاقبة ،، خطة وراء خطة توحي بالتخبط وعدم الاستقرار ، حتى أصبح لكل وزير من وزراء التعليم المتعاقبين تجربته التعليمية الجديدة التي تخصه ، وتحول أبناؤنا وبناتنا وشبابنا حقلا للتجارب المتتالية ، يجرب فيه كل وزير تجربته ، فما نلبث إذ نسمع بخطة تعليمية جديدة ، حتى يكتشف الوزير التالي فشل تجربة الوزير السابق فيغيرها، وأصبحنا لا نثق بما سيدرسه أولادنا في الغد الباكر . هذا فضلا عن اكتظاظ المدارس بالطلاب بعد حدوث الزلازل التي هدمت كثيرا من المدارس المتهالكة ولم يبق منها غير العدد القليل الذي يتكدس فيه التلاميذ بطريقة سيئة ، وتزدحم الفصول بأعداد الطلبة بحيث لا تؤتي العملية التعليمية أهدافها ولا ثمارها. كل هذا ولم نجد وزيرا واحدا ولا مسئولا واحدا ينبه إلى هذه المشكلة أو يهب ويدعوا لتعديلها وتحسينها .
@ وتتغير الحكومات ، وتتبدل وتتشكل ، وتتعاقب واحدة في إثر أخرى ، ثم تنهال علينا وعود كل حكومة ، وعودا وردية شبيهة بأحلام المنام أو بأحلام اليقظة ، ثم نكتشف بعد أن تقال كل حكومة بأنها كانت وعودا خاطئة كاذبة ، ولا يتحقق منها إلا كما يتحقق من مواعيد (عرقوب أو أبو لمعة الأصلي) ولم نشعر بأي فرق بين كل حكومة وأختها من تلك الحكومات المتتالية ، وكأن جميعها قد اتبعت منهج اللامبالاة ، وكأنهم جميعا قد تواصوا به .
@ نسبة الأمية هي الأخرى في ارتفاع وازدياد مستمرين، بمتوالية عددية ، إن لم تكن بمتوالية هندسية ، دون أن يتحرك واحد من المسؤولين من أجل وقف نموها ، ودون أن ينزعج لذلك وزير من الوزراء المحترمين . وكأنهم يتلذذون بوجودهم وسط هذا الكم الهائل من الأميين حتى لا يقرأوا عنهم وعن أحوال بلدهم ماذا يجري فيها ، وماذا يحصل لها.
@ أصبحنا نستورد كل شيء بلا استثناء ، من أول القمح الذي منه لقمة عيشنا الضرورية، وحتى فوانيس رمضان ولعب الأطفال.
@ طوابير الخبز على الأكشاك ، وطوابير اسطوانات الغاز ، وطوابير المرضى أمام المستشفيات لا تزال موجودة يوميا وبلا انقطاع ، بل الطوابير تزداد ، والمعاناة تتفاقم ، حتى إن كثيرا من الناس ينفقون نصف يوم كامل أمام كشك الخبز من أجل الحصول على ما يقابل جنيها واحدا من الخبز لقوته وقوت عياله !!! . ومع ذلك لم يتحرك مسؤول واحد ليحل لنا تلك المعضلة التي استعصت على الحل ، ودون أن ينهي هذه المهزلة التي يعيشها كل يوم هذا الشعب المسكين المحطم .
@ انتشرت الرشوة والمحسوبية ، واتسعت رقعة الفساد ، وازدادت أعداد اللصوص والسراق المحترمين وغير المحترمين ، أما اللصوص غير المحترمين فهم صغار اللصوص الذين يستلبون أموال الناس من دورهم ودكاينهم ومحلاتهم خلسة أو بالعنف والتهديد والإكراه، وأما المحترمون فهم الذين يسلبون الملايين ، ويختلسون المليارات من البنوك ومن خزائن الشعب العامة دون رقيب أو حسيب ، فينتهبون ثروة البلد ، ثم يحملونها داخل حقائبهم ويرحلون بها إلى الخارج ليتمتعوا بتلك الثروات المحرمة ويحرمون منها سائر الشعب وهي في الحقيقة أمواله وثرواته .
@ أما المرور وفوضى الشوارع ، فحدث عنها بكل حرج ، ازدحام خانق ، واختناقات قاتلة ، وفوضى عارمة بتداخل السيارات والشاحنات والمركبات بعضها بين بعض ، كله داخل في كله ، وكله معطل كله ، حتى يتعطل المرور بالكامل فلا يمر هذا ولا يتحر ذاك ، وتضيع أوقات الناس وهم يجلسون داخل سياراتهم وأتوبيساتهم فلا هم جلسوا في أماكن عملهم ، ولا هم وصلوا إلى بيوتهم وأولادهم . كل ذلك يحدث يوميا دون أن نرى جنديا واحدا يقف لينظم حركة مرور الناس حسب التعليمات المرورية التي تكفل المرور لكل الأفراد والأشخاص بعدالة ومساواة . بينما نرى الجنود وبعض الضباط عند الكمائن والحواجز ، لا ليسهلوا حركة مرور الناس وينظموها ، بل من أجل أن تمتليء جيوبهم بالأموال التي يفرضوها على السائقين وأصحاب السيارات باصطياد مخالفات متعمدة ليسلبوا أموال الناس من جيوبهم ، لا لخزينة الدولة بل لخزائنهم الشخصية الخاصة .
هذا فضلا عن أن ترى سيارات مهشمة ،، ومركبات متهالكة تسير في الشوارع بلا لوحات ، بل أكثرها بلا أبواب تحمي الركاب من السقوط والموت وحصول العاهات المستديمة . لمصلحة من هذه الفوضى التي لم نرها ولن نراها في غير مدننا وشوارعنا وتقاطعات الطرق والكباري ومزلقانات القطارات؟؟
@ أكوام الزبالة والقمامة في كل مكان مكدسة ولا حصر لها كمَّاً ولا كيفاً، وأكوام الأتربة والمخلفات القذرة بالأطنان في الشوارع، تستدعي الأمراض والأوبئة ، وتطلق سحائب ثقيلة من الغبار القاتل والدخان السام ، والروائح الكريهة التي تستقر كلها في رئات أفراد الشعب المسكين الذي قد ينفثها يوما حمما نارية تحرق جميع المسؤولين ، وتقضي على جميع الحكومات كما حصل في يوم 25 /1/ 2011م وما بعده.
ومع ذلك كله ، ومع هذا الكم الهائل من المعاناة والفوضى مما لم نستطع ذكره هنا ، فإنني أقول وبأعلى صوتي : لا للتخريب ،، ولا للدمار
مع كل هذه السلبيات المميتة والقاتلة فلا يجوز لنا بأي حال من الأحوال أن نسعى إلى تغييرها بالمظاهرات .. ولا بالاعتصامات .. التي تعطلت بسببها جميع مصالح الأمة ، ولا للقتل .. ولا للتكسير .. ولا للتدمير والتخريب ؛ لأن التخريب والتدمير لا يُصلح بل يُفسد ، ولا يُعمر بل يُدمر ، ولا يُسعد بل يُشقي . وتبعاته سيئة ، وعواقبه وخيمة .
ولذا فإنني أهيب بكل شاب مصري ،، وبكل فتاة مصرية ،، وبكل رجل وبكل شخص لا يزال يقف في ميدان التحرير أو غيره من الميادين ، أن يعود إلى داره وإلى بيته ، أهيب بكل مصري حر عاقل وحكيم أن يعود من حيث أتى ، وأن يفسح المجال للشرطة وللجيش أن تستعيد أمن البلاد وتنظيم أحوال العباد ، أطلب من كل شخص أن يعود إلى عمله ويترك الوقوف في الميادين ، على كل شخص أن يترك هذا الاعتصام والتظاهر الذي عطل مصالحنا ، وجر علينا وقف الحال والخسائر المتلاحقة ، على الجميع أن يخلوا الشوارع والميادين والساحات لتعود حال الناس وحال البلد إلى طبيعتها ، وتعود الحياة كما كانت ، ليشعر الناس بالأمن والأمان ، وتختفي عصابات اللصوص والمنحرفين والبلطجية المندسين خلف الدروع البشرية ، ويكفي ما خسرناه وخسرته البلاد في الأيام القليلة الماضية .
(ومن لم يتب فأولئك هم الظلمون)
(ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظلمون)
(وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)